المحيط ـ مظهر رمز الاثر

خرج مع حلول العتمة حاملا سؤاله الفاجع عن سر الكون والممات وتعمد الى التحريض الاقصى لاستدعاء السؤال , فطاف ينطلق من المجهول ويمضي الى المجهول وصولا الى معنى لغز اسمه الحياة.

وكانت هجرته بهذا الرأي , فسا ر مشيا كأ نه عرف السبيل.

خف ضجيج المدينة وهوى الطريق به يختل بغتتا شعورا بالسكون . ولكن بعثرة الحجارة ونهش ذ را ت التراب با قد ا مه الساعية الى المجهول قد جرحت حياء السكون هذا.

وفي الضياء الباهت لاح له ما ء النهر الذي تمدد بجسده المنسال بين الحشائش والادغال, وكان الطريق اليه مغمورا بالحجارة فمشهد الارض وهي تنحدر تحمل طابع وجه غريب.

اصاغ السمع للحظات ينصت للغة النهر المجهولة وهو يحاول ان يفك رموزخطابه, ثم اسدار ببصره نحو العراء المكشوف فلاح له بصيص من الضوء الخافت البعيد وكأنه قبسا شق الظلمة الشاحبة فادهشه اكتشافه هذا كأ نه رأى ما كانت تخفيه عنه الحياة

فمشى اليه بتباطؤ استجابة الى نداءه , فتمزق حجاب الظلمة عن جسد بدائي لضريح قابع في هددوء كأنه علامة سماوية.

كان الضوء ينبعث من فنار معلق على جسد جدار عاري من كل كسوة وزينة , فتابع ببصره للمكا ن الصا مت المستسلم ,

وتحت دائرة الضوء لوح مكتوب عليه ( مرقد الخضر عليه السلام ) وتحتها تمد د ت رقعة من النسيج خطت عليها

 آية قرآنية لسورة الكهف) فتأ ملها كا نت مكتوبة بد قة وبراعة فاعترته نوبة من الخشوع والرهبة).

ثم اتجه نحو البا ب فا ذا هي با ب قديم من الخشب مطلي بلون اخضر وعليها لطخا ت من الحناء وندوب وحزوز وشقوق وعند ارتحا له في عروق نسيج الباب تجلى  له بوضوح الفعل العكوس للاثر حضوره على السطح انه اشبه بعالم يستنبط التجربة الانسانية وبواطن النفس البشرية فالزائر يقف منها موقف الحيا د بل يسكن في حركتها واضطرابها

كان عليه ان يحني قامته لكي يستطيع التوغل الى الداخل وتحت الضياء الخافت تبين له ان المكان عبارة عن غرفة مستطيلة

 تواجه المدخل وجدران الحجرة غير مطلية وارضيتها مفروشة بكليم رقيق مخطط بالوان باهتة

وعند الجدار الشمالي تألق باب خشبي وبجانبه نا فذة خشبية صغيرة قضبانها الخشبية متراصة بمسا فا ت متساوية وبشكل     منتظم وعلى جانب الباب استقر قفل صغير من النحاس فتبين ان الباب موصد

اطل ببصره من فتحا ت النافذة الخشبية حيث انعكست خيوط من الضوء الباهت الى الداخل فتحقق لاوجود لضريح

وهنا تكمن روعة هذا المخلوق

لقد كانت اسفاره وترحاله عبر السفينة التي خرقها  والجدار الذي اقامه والطفل الذي قتله وبما سنحت لنا القصة من البوح به

هو اكثر انسانية وروعة , فالغاية القصوى من حضوره هو ادماج المستوى الميتافيزيقي بالمستوى الاجتماعي اي انه اشبه بحوار زماني متكررعن المفقود المكاني

فوجوده الخيالي عبر الازمنة المتكررة ما هو الا بوح الزمان والمكان عبر المستقبل

فهو الحاضر الغائب عبر كل الازمنة والاما كن وهو مظهر رمز الاثر

مد يده فتحسس اثار الشمع المذاب على حافات النافذة وقطع القماش الملفوفة باحكام حول القضبان الخشبية ’ تمسح بيديه على

وجهه بعد ان قرأة الفاتحة

ترنح قليلا لاحساسه بالتعب فالضوء الخافت والصمت والوحدة جعلته يسند ظهره الى الجدار , تقرفص ومد ذراعيه حول ساقيه وأستسلم للنوم

تملل القمر باستدارته المضيئة , وامتد جدار سور المعبد الدائري الصارم يعلوه سرير ملتف باغطية بيظاء , اطل برأسه من فوق السرير احس بنسمة تداعب الاغطية البيضاء انبعثت قرعات طبول من احشاء المعبد بايقاع حزين وعميق

تسلل عبر السور المرتفع ,  واجتا ز سلما الى بهو المعبد

 وفجأ ة زحف ضوء ينبعث من داخل البهو فتبدى له جسد جدار يكشف له عن رموز ونقوش لم يتبينها عند دخوله الاول الى

البهو فاعترته نوبة من الخوف وكأنه رأى الغرفة تتسع وتدفق الضوء اكثر فكشف له الجدار عن ارقام وحروف وأشبه بجداول

محفورة ومنقوشة بدقة وبراعة متناهية , بدأ يتأملها كما لوانه يعرف معناها

انطلقت اصوات د مد مة بشرية , فأستدار لذلك الحضور المذهل فاذا بمائدة مستطيلة يدور حولها مجموعة  من الكهنة يرتدون

الملابس الكهنوتية وبرؤس حليقة ويطلقون اصوات غريبة كأنها انين انسان يحتضر ويترنحون كما يترنح مجاذيب الوجد

لمح شيخ يفترش الارض ويحرث على التراب با صبعه , يخط علامة ويمسح ما رسم ويبدو غارقا في دنياه ولاوجود له بينهم , كان يرتدي جلباب ابيض وعمامة كبيرة لفت با حكا م حول رأسه وله لحية طويلة وكان وجههه مضيئا

بدأت حلقة الكهنة المجذوبين تتشتت وتلاشت اصوات الد مد مة البشرية والطبول , زحف نحو الشيخ وكانت الارض مغطات بفراش رملي , جلس بجواره يتمعن العلامات التي يخطها على الرمال , وتحت الضياء الخافت تبادل نظرة خفيفة ثم انطلقا في العراء كأ نهما كا نا على ميعا د

استوى العراء , وتدلى القمربضياءه , وفي السكون المذهل ادرك سر اللغة التي لاتعترف بالسان

بعدها دمدم الشيخ بكلمات سورة الاخلاص ثم قال انك تبحث بحثا عميقا , ان خلق الحق هو الموجد لافعالنا , فافعالنا انما هي من اثار خلق الله

ثم انكفأ على التراب يخط خطوطا مستقيمة ثم اعقبها بخطوطا افقية متقاطعة ,  قال ان هذا التلائم التام مع السالف والحاضر

انما هو مصنوع مسبقا فأن الرؤيا الخارجية انما هو عالم هحجوب عن داخله , فلم تكن واعيا لتكشف العلاقا ت الكونية 

فما الكون الاعبارة عن لعبة تلك الخطوط المتقاطعة

واحدة تحت دائرة الضوء  والاخرى في المناظق الظلية انها اكوان تأ تلف في اختلافها وتتوحد في نقائضها وتتوالد في ضدها

ثم ترنح قليلا وقال

انه من نور الشمس منه يبعث واليه يبعث

وبقي  الصوت يتناغم بأيقاع

انه من نور  الشمس منه يبعث واليه يبعث

ايقضه صوت الشيخ بد مد مته  للنداء فوجد نفسه نائما في الضريح مبللا بالعرق استمر متكورا حول نفسه يرتجف وينبض قلبه وجدا

انتصب بقامته , راقب المكان كانت الجدران مطلية بصلصال بلون البشرة وخط عليها رموز من ارقام وحروف وآيات قرآنية بشكل عشوائي , فأيقن ان طغيان حضور المكان الروحي للوجود الطبيعي هو بعشوائيته وتحوله وعدم ثباته ,فأستمراريته تبدأ من لحظة انتهاءه وتلاشيه , فجسد الكون ما هو الا مثل النسيج البنائي لهذا الجدار فأستمراريه من الزمن الاسطوري الى الزمن الحاظر ما هو الا معدلة وجودية لتغير حركة العلاقات الخارجية

ثم خط على الجدار وبشكل عشوائي رموز واشا رات مبهمة فلاح له وهج في داخله شعر انه مسكون بالجدار وما هو الا ذاته المتوحدة مع الجماعي الكوني

زحف الى الخارج كان ضوء الشمس صافيا , دار حول الضريح حيث كان مشيدا من الطوب والخشب وفي الجوار من جهة الاحراش راقب النهر حيث كان كل شئ ساكنا هادئا مستسلما لسلطة الضوء الصافي فتنفس المكان بالجمال والدفئ واحس كأنه تحرر من كل شئ فمشىبتباطؤ وكبرياء حتى حجبته الاحراش

منشن 17َـ 03 ـ 2000